هذا هو الإسلام الأخطار التي تهدد المسجد الأقصى المبارك/الدكتور الشيخ تيسير التميمي-قاضي قضاة فلسطين

هذا هو الإسلام
الأخطار التي تهدد المسجد الأقصى المبارك
الدكتور الشيخ تيسير التميمي
قاضي قضاة فلسطين/رئيس المجلس الأعلى للقضاء الشرعي :
..................................................................
الحلقة الأولى
بضعة أيام وتحل بنا ذكرى جريمة نكراء، جريمة كان يفترض لها أن تزلزل الأرض
، لكنها مرت وانتهت وطويت صفحتها ، مضت كما كل النكبات التي أصابتنا من قبل
ومن بعد على يد الاحتلال ، فحقَّ لغولدامئير أن تعد اليوم الذي تلاها من أسعد أيام
حياتها .
تلكم هي محاولة إحراق المسجد الأقصى المبارك ، أولى القبلتين وثاني المسجدين وثالث
الحرمين الشريفين ، ومسرى رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم .
ولئن أخمد لهيب النيران المنبعثة من داخل المسجد قبل عقود مرت على تلك الفعلة
الحاقدة ، فإن نيران المؤامرات والمخططات التي تستهدف المسجد الأقصى المبارك وبنيانه
لا زال􀀼ت مشتعلة . ولئن كانت هذه المؤامرات والمخططات تحاك من قبل في الخفاء ؛
فإنها اليوم تنفذ في العلانية تحت سمع وبصر العالم والمجتمع الدولي بأسره ؛ بما فيه
منظماته التي يفترض حيادها ، تنفذ على مرأى ومسمع من أبناء الأمة كلها دون أن
تتجاوز ردود فعلٍها الشجب والاستنكار .
لم تكن هذه الجريمة عملاً فردياً ، ولا وليدة يوم أو يومين ، لكنه مكر الليل والنهار ،
منهج مدروس وعمل دؤوب لا يتوقف ، يشارك فيه كل من يراودهم الحلم ببناء الهيكل
المزعوم على أنقاض المسجد الأقصى المبارك ؛ الذي قرر الله سبحانه وتعالى إسلاميته
وإسلامية أرضه من فوق سبع سماوات ، دون مبالاة بتعاليم الشرائع الإلهية أو المواثيق
الدولية التي كفلت حق كل إنسان في ممارسته شعائره الدينية وحفظت له دور العبادة
ومنعت أي عدوان عليها .
فمنذ وقوع مدينة القدس المباركة تحت الاحتلال بدأت سلطاته بالكيد للمسجد
الأقصى شيئاً فشيئاً :
* الاقتحامات العسكرية ، ولعل أولها يوم 7/ 6/ 1967 حين استولى الجنرال موردخاي
غور على المسجد الأقصى بسيارة نصف مجنزرة ، وأدى ذلك إلى تعطيل شعائر صلاة
الجمعة فيه يوم 9/ 6/ 1967 لأول مرة منذ تحرير صلاح الدين للقدس من الغزاة الفرنجة
عام 1187 للميلاد ، قال تعالى } وَمَنْ أَظْلَمُ نِمَّْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ
وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلاَّ خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي
الآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ { البقرة 114 ، ثم توالت الاقتحامات العسكرية له فيما بعد .
* وإضافة إلى الاقتحامات ، فهناك الجماعات الدينية اليمينية المتطرفة التي تقتحمه
لتدنيسه والصلاة فيه ، لقد وضع هؤلاء المتطرفون نصب أعينهم إقامة هيكلهم المزعوم
على أنقاض المسجد الأقصى المبارك .
إن خطورة هذه الجماعات لا تنحصر في استجماع جهود أنصارها واستقطاب مؤيديها
فحسب ، بل في انخراط كثير من أعضائها في الجيش ووصولهم إلى مناصب عليا فيه .
نفذت هذه الجماعات أول اقتحام للمسجد بعيد حرب عام 67 بقليل ؛ ففي 15 / 6/ 1967 م
قام الحاخام الأكبر للجيش الإسرائيلي شلومو غورن وخمسون من أتباعه بالصلاة في ساحة
الحرم الشريف .
* الحفريات المتواصلة تحت أساسات الحرم القدسي وفي محيطه ، والتي ابتدأت منذ
الاحتلال الإسرائيلي للقدس والأراضي الفلسطينية عام 67 ولم تتوقف إلى اليوم ؛ بهدف
هدمه وإقامة هيكلهم على أنقاضه . حيث تولت سلطة الآثار الإسرائيلية ووزارة الأديان
هذه المهمة ، فقامتا بجهود حثيثة للتنقيب عن الآثار اليهودية المزعومة وحفر الأنفاق
على طول الحائط الجنوبي والغربي للمسجد الأقصى المبارك ، وإقامة الكنس والمعابد
اليهودية بالقرب منه .
ويعترف علماء الآثار منهم بعدم اكتشاف أي أثر يدل على الهيكل أو غيره تحت المسجد
، إلا أنهم يصرون على مواصلتها بهدف هدمه وإقامة الهيكل مكانه ، فقد حذر البروفيسور
يغئال يادين عالم الآثار الإسرائيلي وغيره من الحفريات أسفل الحرم القدسي ، ويمكن
وصف المسجد الآن بأنه معلق في الهواء نتيجة الحفريات التي أجريت تحت أساساته . وعلى
الرغم من ذلك تتواصل الحفريات دون مبالاة بالتصدعات الخطيرة الناتجة عنها ، والتي
ستعرضه والمنازل المجاورة للسقوط والانهيار عند أول هزة أرضية ولو ضعيفة ، .
* ولا تكتفي بذلك ؛ بل تمنع عمليات الترميم التي يجب أن تجرى لصيانة المسجد
والآثار والمباني الإسلامية الملاصقة له ، وفي المصلى المرواني . وفي تزييف للحقائق وقلب
لها ، يقوم الحاخامات الإسرائيليون بالتظاهر احتجاجاً على عمليات الترميم التي تقوم
بها دائرة الأوقاف الإسلامية في ساحة المسجد ، ويناشدون المسؤولين بوقفها زاعمين أنها
تدمر الآثار المقدسة للديانة اليهودية .
* الإج􀀼راءات التعسفية بمنع الفلسطينيين من دخول المسجد الأقصى للصلاة فيه ،
وذلك من خلال :
- منع أهل الضفة الغربية الوصول إلى مدينة القدس ، وتحديد الفئة العمرية لمن
يدخله من أهل القدس وأهل الأرض المحتلة عام 1948 بمن هم فوق الخامسة والأربعين
أو الخمسين من العمر ، وبالأخص أي􀀼ام الجمعة ، وحتى في شهر رمضان المبارك شهر
العبادة والتقرب إلى الله تعالى ، فأصبح حراماً على الفلسطينيين حلالاً للناس من
كل الأجناس .
- وضع الحواجز العسكرية على الطرق المؤدية اليه لمنع من تمكن من الوصول إلى
القدس رغم الحواجز المقامة على مداخلها ورغم سور الفصل المقام حولها .
- تركيب العشرات من كاميرات المراقبة وآلات التصوير على مفارق الطرق المؤدية
إلى بوابات المسجد لرصد تحركات الداخلين والخارجين منه ، وزرع مجسات إلكترونية
لرصد التحركات حول المسجد وداخل باحاته .
- منع القنوات الفضائية من نقل وقائع صلاة الجمعة من المسجد الأقصى المبارك .
- الاعتقالات الواسعة في صفوف المصلين ، وإجبار المعتقلين على توقيع تعهد بعدم
دخول المسجد لفترات متفاوتة .
- وحتى الموتى طالتهم تلك الإجراءات التعسفية ؛ فقد أعاق موظفو سلطة البيئة
والحدائق العامة الإسرائيلية دفن أحد الموتى المقدسيين في مقبرة الرحمة بجوار
المسجد .
- منع دخ 􀀼ول المصلى الم􀀼روان􀀼ي والعمل على إغ􀀼الق􀀼ه أحياناً بحجة منع اكتظاظه
بالمصلين .
وعلى الرُّغم من هذه الإج􀀼راءات وصرامتها ؛ إلاَّ أن أبناء شعبنا يزحفون دوماً إلى
مسجدهم ويشدون رحالهم إليه للصلاة فيه والدفاع عنه ، استجابة لقول الرسول
صلى الله عليه وسلم } لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد المسجد الحرام ومسجد
الرسول صلى الله عليه وسلم ومسجد الأقصى { رواه البخاري . فالأخطار المحدقة
بالقدس والمسجد الأقصى المبارك توجب عليهم ذلك ، فقد أدركوا أن لا أمل لهم بغير
الصمود والثبات ، فهم وحدهم في ميدان الدفاع عنهما ، بعد أن استبعدتها الأمة من
سُلَّم أولوياتها ، فليس أمامهم اليوم إلاَّ المصابرة والمرابطة قال تعالى « يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ « البقرة 200 .
: AL-TAMIMI@KUDAH.GOV.P